الاستقصاءُ في التفريعِ
الاستقصاءُ في التفريعِ كفيلٌ بتصحيحِ العزوِ والإحالاتِ:
إن عزو الأقوال لأرباب المذاهب يحكُمه التفريع التام والاستقراء الكامل، فعَدَم الاستقصاء للتفريع غيرُ مُخَلِّصٍ إذ مئاله إلى الاضطراب في النقل، ومن الشواهد اضطراب النقل عن مالك في مسألةِ تعارُضِ القياس مع الخبر، فرجّح البغداديون من أصحابنا أنّ مالكا يُؤثر القياس على الخبر، في حين قال القرافي “وتقديم القياس على الخبر قول مهجور في مذهب مالك” ومثله قال القاضي عياض والباجي، وتحقيق المسألة أنْ يُقال مَثَارُ الاِضطراب في العزْوِ هو الاِستقراء الناقص والتَّتَبُّع القاصر.
فمن قال بتقديم القياس عوّل على فروع منها :
١- عدم جواز النيابة في الصوم قياسا على عدم جوازها في الصلاة مع أن الحديث صريح ” من مات وعليه صيام صام عنه وليّه ” [متفق عليه] .
٢- خبر الوُلوغِ، حَمَلَهُ مالك على التعبد لا المعقولية، وجاءت عبارتُه مشهورةً ” يُأكل صيدُه فكيف يُكرَه لُعابُه”.
٣- وجوبُ القضاء على من أفطر ناسيا مع أن ظاهر الحديث على خلافه.
ومُدرَك القول الآخَر خبَر المُصَرّاة وحديث العَرِيَّة، ومُخالفةُ هذين للأصول والقواعد جليٌّ ظاهر.
والتحصيل أن يُقال :
إنّ مالكا يُقدّم ما عضّدته القواعد والأصول، فلا يوجد حُجة قُدّمت على حُجة لذاتها، فإذا رأيت الإمام قدّم دليلا فاعلم أنه لشواهدَ احتفّت به وأُصولاً قامت عليه، فعُلِم أنّ الاضطراب الحاصلَ في العَزْوِ عن الإمام مَرَدُّه إلى عدم الاستقصاء في التفريع، فكلٌّ استند بفتاوى وفروع في إحالته، والتحصيلُ أنّ صحة الإحالات والعزوِ مَردُّها إلى الاستقراء التام وتوجيه الفروع والمسائلِ.
ويرحم الله الإمام ابن العربي [ وأنا أزعم والعلمُ عند الله، لا يوجد مالكيّ فهِم ما يجول في رأس مالكٍ كابن العربي ]
وها هو الشاطبي لمّا حَمِيَ الوطيسُ ورأى تطايُرَ شَرَرِ النّزاع لاذ بِبساط ابن العربي المُخلِّص حيث قال في الموافقات :
” وقال ابن العربي : إذا جاء خبر الواحِدِ مُعارضا لقاعدةٍ من قواعد الشرع هل يجوز العمل به أم لا، فقال أبو حنيفة لا يجوز العمل به، وقال الشافعي يجوز، وتردد قول مالك في المسألة، قال ومشهورُ قولِه والذي عليه المُعوَّل أن الحديث إن عضدته قاعدة أُخرى قال به، وإن كان وحده تركه.
ثم ذكر مسألة مالك في ولوغ الكلب، قال لأن هذا الحديث عارَضَ أصلين عظيمين، أحدهما قولُ الله تعالى ” فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ ” والثاني أن عِلّة الطهارة هي الحياة وهي قائمة في الكلب، وحديثُ العَرايا إن صَدمَتْه قاعدة الرِّبا عَضَّدتْه قاعدة المعروف. “
ومن أراد أن يفسح الخُطا فعليه برسالة شيخِنا العالم الدكتور الأخضري ” تعارض القياس مع خبر الواحد “.
كتبه العبد الفقير إلى ربّه بوبكر حسوني