بَوَاعِثُ التَّعْطِيلِ
بَوَاعِثُ التَّعْطِيلِ: الجَهْلُ بالوَضْعِ واللِّسَانِ :
يقولون ” إن الرحمة رِقَّة في القلب وانعطافٌ يقتضي تفضلا وإنعاما، وما كان من الصفات من هذا القبيل فهي مأخوذة بالغايات لا بالمبادئ، بمعنى أن الرحمة لها مبدأٌ وغايةٌ تنتهي وتؤول إليه، فمبدؤها رِقّة وانعطاف وهو انفعال، والانفعال والكَيْف محالٌ في حقه عز وجل، فلزِم أن نؤوّلها بالغاية التي هي فِعلٌ، فيُقال إنه تفضُّل و إحسان تنزيها للباري “.
هذا هو المنهج العامُّ الحاكمُ لتعامل المتكلِّمين مع الصفات حيث استحالةُ المُبتَدى فتعيَّن المُنتهى.
وهذه طريقة غيرُ مُخَلِّصة، إذ لا يُسَلَّم لهم المُبتدى، فيُقال إن تفسير الرحمة بما ذُكر هي رحمة المخلوق، فلا يُسلم لهم تفسير الرحمة الإلاهية بما ذُكر، قد خافوا التشبيه فدرؤوه بما ذُكر وهو عين التعطيل.
فالتحصيل أن حقيفة الرحمة هنا مرادَةٌ لأنه عز وجل لمّا أراد لازِمَها وهو التفضّل والإنعام صرّح بها، كما “في المجيء”
و “مجيء أمره”، فالله لما أراد ” مجيء أمره” بيّن فقال
” إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ ۖ “، ولمّا أراد ” المجيء الحقيقي” قال
” وَجَاءَ رَبُّكَ”، فمن زعم أن المجيء لازِمٌ له الانتقالُ جهل لسان العرب،
وإلا فإن العرب قالت جاء الرجُل وجاء المطر وجاء النّوم،
فهل الانتقال في كل هذه لازِمٌ غيرُ منفك فيها ؟
فمن عطَّل ضاق به اللسان والوضع، ورحم الله الشيخ
سالمَ بنَ عَدُّود حين قال :
- ………، وإلى دُنْيَا السَّمَا = يَنْزِلُ كُلَّ لَيلَةٍ ، لا مِثْلَ مَا
- يَنْزِلُ مَخلُوقٌ بِإخْلا حَيِّزْ = مِنهُ وَشَغْلِ حَيِّزٍ -فَمَيِّزْ-
- وَهُوَ العَلِيُّ، لا تَحُدُّه جِهَهْ = ضَلَّ المُعَطِّلةُ والمُشَبِّههْ
ولازِمُ كلامِ المتكلّمين أن السّلف قلّ عِلمهم وضَعُفت فصاحتُهم فقَصُروا عن دَرْك المراد أو أنهم عرَفوا ولم يُبَلِّغوا، فكلاهما محال، سبحان القائل ” أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ ۗ “.
وفي هذا يقول سيدي باب رحمه الله وهو من علماء شنقيط :
ومن تأوَّلَ فقد تَّكلَّفَا = وغيرَ ما له به علمٌ قفا
وفي الذي هرب منهُ قد وَقَع = وبعضُهُم عن قولِهِ بِهِ رَجَعْ
حَتَّى حكى في منعِهِ الإجماعَا = وجعلَ اجتنابَهُ اتِّباعا
وقدْ نَمَاهُ بعضُ أهل العلم = من الأكابِرِ لحزبِ جَهْمِ
فاشدُدْ يديك أيُّها المحقُّ = على الذي سَمعتَ فهو الحقُّ
” ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير “
كتبه الفقير إلى عفو ربه أبو بكر حسوني